فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الغزالي في المستصفى أراد بالهُدى التّوحيد ودلالةَ الأدلّة العقليّة على الوحدانيّة والصّفات لأنّه تعالى أمره بالاقتداء بهداهم فلو كان المراد بالهدى شرائعهم لكان أمرًا بشرائع مختلفة وناسخة ومنسوخة فدلّ أنّه أراد الهدى المشترك بين جميعهم.اهـ.
وقال ابن عاشور:
ومعنى هذا أنّ الآية لا تقوم حجّة على المخالف فلا مانع من أن يكون فيها استئناس لمن رأى حجّيّة شرع من قبلنا على الصّفات الّتي ذكرتُها آنفًا.
وفي صحيح البخاري في تفسير سورة (ص) عن العَوّام قال: سألت مجاهدًا عن سجدة ص فقال: سألت ابن عبّاس من أين سجدتَ (أي من أيّ دليل أخذت أن تسجد في هذه الآية، يريد أنّها حكاية عن سجود داوود وليس فيها صيغة أمر بالسجود) فقال: «أوَمَا تقرأ {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده} فكان داوود ممّن أمر نبيئُكم أن يقتدِي به فسجدها داوود فسجدها رسول الله».
والمذاهب في هذه المسألة أربعة: المذهب الأوّل: مذهب مالك فيما حكاه ابن بكير وعبدُ الوهّاب والقرافي ونسبوه إلى أكثر أصحاب مالك: أنّ شرائع من قبلنا تكون أحكامًا لنا، لأنّ الله أبلغها إلينا.
والحجّة على ذلك ما ثبت في الصحاح من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قضية الرُّبَيْععِ بنتتِ النضر حين كسَرَتْ ثنيّة جاريةٍ عمدًا أنْ تُكْسر ثنيّتها فراجعتْه أمّها وقالت: واللّهِ لا تُكْسَر ثنيّةُ الرّبيع فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كتابُ الله القصاص»، وليس في كتاب الله حكم القصاص في السنّ إلاّ ما حكاه عن شرع التّوراة بقوله: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} إلى قوله: {والسنّ بالسنّ} [المائدة: 45].
وما في الموطأ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نسي الصلاة فليصلّها إذا ذكرها فإنّ الله تعالى يقول في كتابه: {أقِمْ الصّلاة لذِكْري} [طه: 14] وإنّما قاله الله حكاية عن خِطابه لموسى عليه السلام، وبظاهر هذه الآية لأنّ الهدى مصدر مضاف فظاهره العموم، ولا يُسلّم كونُ السياق مخصّصًا له كما ذهب إليه الغزالي.
ونقل علماء المالكية عن أصحاب أبي حنيفة مثلَ هذا.
وكذلك نقل عنهم ابنُ حزم في كتابه الإعراب في الحيرَة والالتباس الواقعين في مذاهب أهل الرأي والقياس.
وفي توضيح صدر الشريعة حكايتُه عن جماعة من أصحابهم ولم يُعيّنه.
ونقله القرطبي عن كثير من أصحاب الشافعي.
وهو منقول في كتب الحنفيّة عن عامّة أصحاب الشّافعي.
المذهب الثّاني: ذهب أكثر الشّافعيّة والظاهرية: أنّ شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا.
واحتجّوا بقوله تعالى: {لكُلٍ جعلنا منكم شِرْعَةً ومنهاجًا} [المائدة: 48].
ونسب القرطبي هذا القول للكثير من أصحاب مالك وأصحاب الشّافعي.
وفي توضيح صدر الشّريعة نسبة مثل هذا القول لجماعة من أصحابهم.
الثالث: إنّما يلزم الاقتداء بشرع إبراهيم عليه السلام لقوله تعالى: {ثمّ أوحينا إليك أن اتَّبِعْ ملّة إبراهيم حَنيفًا} [النحل: 123].
ولم أقف على تعيين من نسب إليه هذا القول.
الرّابع: لا يلزم إلاّ اتّباع شريعة عيسى لأنّها آخر الشّرائع نَسخت ما قبلها.
ولم أقف على تعيين صاحب هذا القول.
قال ابن رشد في المقدّمات: وهذا أضعف الأقوال.
والهاء في قوله: {اقتده} ساكنة عند جمهور القرّاء، فهي هاء السكت الّتي تُجلب عند الوقف على الفعل المعتلّ اللاّم إذا حذفت لامَه للجازم، وهي تثبت في الوقف وتحذف في الوصل، وقد ثبتت في المصحف لأنّهم كانوا يكتبون أواخر الكلم على مراعاة حال الوقف.
وقد أثبتها جمهور القرّاء في الوصل، وذلك من إجراء الوصل مجرى الوقف وهو وارد في الكلام الفصيح.
والأحسن للقارئ أن يقف عليها جريًا على الأفصح، فجمهور القرّاء أثبتوها ساكنة ما عدا رواية هشام عن ابن عامر فقد حرّكها بالكسر، ووجَّه أبو عليّ الفارسي هذه القراءة بأنّها تجعل الهاء ضمير مصدر اقْتد، أي اقتد الاقتداء، وليست هاء السكت، فهي كالهاء في قوله تعالى: {عذابًا لا أعذّبُه أحدًا من العالمين} [المائدة: 115] أي لا أعذّب ذلك العذاب أحدًا.
وقرأ حمزة، والكسائي، وخَلف، بحذف الهاء في حالة الوصل على القياس الغالب. اهـ.

.قال الفخر:

قال الواحدي: قوله: {هدَى الله} دليل على أنهم مخصوصون بالهدى، لأنه لو هدى جميع المكلفين لم يكن لقوله: {أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله} فائدة تخصيص. اهـ.
قال الفخر:
قال الواحدي: قرأ ابن عامر {اقتده} بكسر الدال وبشم الهاء للكسر من غير بلوغ ياء، والباقون {اقتده} ساكنة الهاء، غير أن حمزة والكسائي يحذفانها في الوصل ويثبتانها في الوقف، والباقون يثبتونها في الوصل والوقف.
والحاصل: أنه حصل الإجماع على إثباتها في الوقف.
قال الواحدي: الوجه الإثبات في الوقف والحذف في الوصل، لأن هذه الهاء هاء وقعت في السكت بمنزلة همزة الوصل في الابتداء، وذلك لأن الهاء للوقف، كما أن همزة الوصل للابتداء بالساكن، فكما لا تثبت الهمزة حال الوصل، كذلك ينبغي أن لا تثبت الهاء إلا أن هؤلاء الذين أثبتوا راموا موافقة المصحف، فإن الهاء ثابتة في الخط فكرهوا مخالفة الخط في حالتي الوقف والوصل فأثبتوا.
وأما قراءة ابن عامر: فقال أبو بكر ومجاهد: هذا غلط، لأن هذه الهاء هاء وقف، فلا تعرب في حال من الأحوال، وإنما تذكر ليظهر بها حركة ما قبلها.
قال أبو علي الفارسي: ليس بغلط، ووجهها أن تجعل الهاء كناية عن المصدر، والتقدير: فبهداهم اقتد الاقتداء، فيضمر الاقتداء لدلالة الفعل عليه، وقياسه إذا وقف أن تسكن الهاء، لأن هاء الضمير تسكن في الوقف، كما تقول: اشتره. والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
المراد به أنه تعالى لما أمره بالاقتداء بهدى الأنبياء عليهم السلام المتقدمين، وكان من جملة هداهم ترك طلب الأجر في إيصال الدين وإبلاغ الشريعة.
لا جرم اقتدى بهم في ذلك، فقال: {لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} ولا أطلب منكم مالًا ولا جعلًا {إِنْ هُوَ} يعني القرإن {إِلاَّ ذكرى للعالمين} يريد كونه مشتملًا على كل ما يحتاجون إليه في معاشهم ومعادهم وقوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى للعالمين} يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى كل أهل الدنيا لا إلى قوم دون قوم. والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ} أي لا أطلب منكم {عَلَيْهِ} أي على القرآن أو على التبليغ فإن مساق الكلام يدل عليهما وإن لم يجر ذكرهما {أَجْرًا} أي جعلًا قلَّ أو كثر كما لم يسأله من قبلي من الأنبياء عليهم السلام أممهم قيل: وهذا من جملة ما أمرنا بالاقتداء به من هداهم عليهم السلام، وهو ظاهر على ما قاله القطب لأن الكف عن أخذ أجر في مقابلة الإحسان من مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، وأما على قول من خص الهدى السابق بالأصول فقد قيل: إن بين القول به والقول بذلك الاختصاص تنافيًا.
وأجيب بأن استفادة الاقتداء بالأصول من الأمر الأول لا ينافي أن يؤمر عليه الصلاة والسلام بالاقتداء بأمر آخر كالتبليغ.
وتقديم المتعلق هناك إنما هو لنفي اتباع طريقة غيرهم في شيء آخر.
واستدل بالآية على أنه يحل أخذ الأجر للتعليم وتبليغ الأحكام.
وفيه كلام للفقهاء على طوله مشهور غني عن البيان.
{إِنْ هُوَ} أي ما القرآن {إِلاَّ ذكرى} أي تذكير فهو مصدر، وحمله على ضمير القرآن للمبالغة ولا حاجة لتأويله بمذكر {للعالمين} كافة فلا يختص به قوم دون ءاخرين.
واستدل بالآية على عموم بعثته صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى للعالمين} استئناف عُقّب به ذلك البيانُ العظيم الجامع لأحوال كثير من الأمم.
والإيماءُ إلى نبوءة جمع من الأنبياء والصّالحين، وبيان طريقة الجدل في تأييد الدّين، وأنّه ما جاء إلاّ كما جاءت مِلل تلك الرّسل، فلذلك ذيَّله الله بأمر رسوله أن يُذكِّر قومه بأنّه يذكِّرُهم.
كما ذكَّرتْ الرّسلُ أقوامهم، وأنّه ما جاء إلاّ بالنّصح لهم كما جاءت الرّسل.
وافتتح الكلام بفعل {قل} للتّنبيه على أهميّته كما تقدّم في هذه السّورة غير مرّة.
وقُدّم ذلك بقوله: {لا أسألكم عليه أجرًا} أي لست طالبَ نفع لنفسي على إبلاغ القرآن، ليكون ذلك تنبيهًا للاستدلال على صدقه لأنّه لو كان يريد لنفسه نفعًا لصانعهم ووافقهم.
قال في الكشاف في سورة هود (51) عند قوله تعالى حكاية من هود {يا قوم لا أسألكم عليه أجرًا إنْ أجريَ إلاّ على الّذي فطَرنيَ أفَلا تعقلون} ما من رسول إلاّ واجه قومه بهذا القول لأنّ شأنهم النّصيحة والنّصيحة لا يمحّصها ولا يمحِّضُها إلاّ حَسم المطامع وما دام يتوهّم شيء منها لم تنفع ولم تنجع اهـ.
وقال ابن عاشور:
قلت: وحكى الله عن نوح مثل هذا في قوله في سورة [هود: 29] {ويَا قوم لا أسألكم عليه مَالًا إنْ أجريَ إلاّ على الله} وقال لرسوله أيضًا في سورة [الشّورى: 23] {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلاّ المودّة في القربى}.
فليس المقصود من قوله: {لا أسألكم عليه أجرًا} ردّ اعتقاد معتقد أو نفي تهمة قيلت ولكن المقصود به الاعتبار ولفت النّظر إلى محض نصح الرّسول صلى الله عليه وسلم في رسالته وأنّها لنفع النّاس لا يجرّ منها نفعًا إلى نفسه.
والضمير في قوله: {عليه} وقوله: {إن هو} راجع إلى معروف في الأذهان؛ فإنّ معرفة المقصود من الضمير مغنية عن ذكر المعاد مثل قوله تعالى: {حتّى توارتْ بالحجاب} [ص: 32]، وكما في حديث عُمر في خبر إيلاء النّبيء صلى الله عليه وسلم: «فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فضرب بأبي ضربًا شديدًا فقال: أثمّ هو» إلخ.
والتّقدير: لا أسألكم على التّبليغ أو الدّعاء أجرًا وما دعائي وتبليغي إلاّ ذِكْرى بالقرآن وغيره من الأقوال.
والذّكرى اسم مصدر الذِكر بالكسر، وهو ضدّ النّسيان، وتقدّم آنفًا.
والمُراد بها هنا ذكر التّوحيد والبعث والثّواب والعقاب.
وجَعَل الدّعوة ذكرى للعالمين، لأنّ دعوته صلى الله عليه وسلم عامّة لسائر النّاس.
وقد أشعر هذا بأنّ انتفاء سؤال الأجر عليه لسببين: أحدهما: أنّه ذِكرى لهم ونصح لنفعهم فليس محتاجًا لِجَزاءٍ منهم، ثانيهما: أنّه ذكرى لغيرهم من النّاس وليس خاصًّا بهم. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}.
التفسير: لما حكى حجج إبراهيم صلوات الرحمن عليه في التوحد والذب عن الدين الحنيفي عدّد وجوه نعمه وإحسانه عليه بعد نعمة إيتاء الحجة ورفع الدرجة فقال: {ووهبنا له} باللفظ الدال على العظمة كما يقوله عظماء الملوك ليدل بذلك على عظم العطية، وذلك أنه جعل أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل من نسله وعقبه. قيل: وإنما لم يذكر إسماعيل مع إسحق وإن كان هو أيضًا ابنه لصلبه، لأن المقصود بالذكر هاهنا أنبياء بني إسرائيل وهم بأسرهم أولاد إسحق ويعقوب، وأما إسماعيل فإنه ما خرج من صلبه أحد من الأنبياء إلا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المقام لأنه أمر محمدًا أن يحتج على العرب بأن إبراهيم لما ترك الشرك وأصر على التوحيد شرفه الله بالنعم الجسام في الدين والدنيا، ومن جملة ذلك أن آتاه أولادًا كانوا ملوكًا وأنبياء، فإذا كان المحتج بهذه الحجة هو محمد امتنع أن يذكر نفسه في هذا المعرض، فلهذا السبب لم يذكر إسماعيل مع إسحق. أما قوله: {ونوحًا هدينا من قبل} فالمقصود منه بيان كرامة إبراهيم بحسب الآباء أيضًا مثل نوح وإدريس وشيث، وأما الضمير في قوله: {ومن ذريته} فقد قيل: إنه يعود إلى نوح لأنه أقرب ولأنه تعالى ذكر في جملتهم لوطًا وهو كان ابن أخي إبراهيم وما كان من ذريته، بل كان من ذرية نوح، ولأن ولد الإنسان لا يقال إنه ذريته فعلى هذا إسماعيل ما كان من ذرية إبراهيم وكان من ذرية نوح، ولأن يونس عليه السلام لم يكن من ذرية إبراهيم على قول بعضهم. وقيل: الضمير عائد إلى إبراهيم لأنه هو المقصود بالذكر هو هذا المقام. واعلم أن الله تعالى ذكر أربعة من الأنبياء وهم: نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب. ثم ذكر من ذريتهم أربعة عشر نبيًا: داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى والياس وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا.
فالمجموع ثمانية عشر. وأنه لم يراع الترتيب بينهم في الآية لا بحسب الفضل والشرف ولا بحسب الزمان والمدة، فاستدل العلماء بذلك على أن الواو لا تفيد الترتيب. وقال في التفسير الكبير: إن وجه الترتيب أنه تعالى خص كل طائفة من طوائف الأنبياء بنوع من الكرامة. فمن المراتب المعتبرة عند الجمهور الملك والسلطنة وقد أعطى داود وسليمان من ذلك نصيبًا عظيمًا، والمرتبة الثانية البلاء والمحنة وقد خص أيوب بذلك، والثالثة استجماع الحالتين وذلك في حق يوسف فإنه ابتلي أوّلًا ثم أوتي الملك ثانيًا. الرابعة قوّة المعجزات وكثرة البراهين والبينات وذلك حال موسى وهارون الخامسة الزهد الكامل كما في حق زكريا ويحيى وعيسى وإلياس ولهذا وصفهم بأنهم من الصالحين. السادسة الأنبياء الذين ليس لهم في الخلق أتباع ولا أشياع وهم إسماعيل واليسع ويونس ولوط. وأما المراد بقوله: {كلًا هدينا ونوحًا هدينا} قيل: المراد الهداية إلى طريق الجنة بدليل قوله: {وكذلك نجزي المحسنين} فإن جزاء المحسن على إحسانه لا يكون إلا الثواب. وقيل: لا يبعد أن يقال: المراد الهداية إلى الدين والمعرفة لأنهم اجتهدوا في طلب الحق فجازاهم الله بالوصال والوصول كما قال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69] وقيل: إنها الإرشاد إلى النبوّة والرسالة لأن الهداية المخصوصة بالأنبياء ليست إلا ذلك، وهذا إنما يصح عند من جوز أن تكون الرسالة جزاء على عمل. واستدل بعضهم بقوله: {وكلًا فضلنا على العالمين} على أن الأنبياء أفضل من الملائكة، وذلك أن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى فيدخل فيه الملائكة وكذا الأولياء. وقيل: فضلناهم على عالمي زمانهم فلا يتم الاستدلال. قال القاضي: ويمكن أن يقال: المراد وكل من الأنبياء يفضلون على كل من سواهم من العالمين. ثم الكلام في أن أي الأنبياء أفضل من بعض كلام آخر لا تعلق له بالأول. ثم قال: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم} معطوف على {كلًا} أي فضلنا بعض آبائهم. فالآباء هم الأصول، والذريات هم الفروع، والإخوان فروع الأصول. وفيه دليل على أنه تعالى خص كل من تعلق بهؤلاء بنوع من الشرف والكرامة. ثم إن قلنا المراد من الهداية الهداية إلى الثواب والجنة فقوله: {من آبائهم} وكلمة من للتبعيض يدل على أنه قد كان في آباء هؤلاء الأنبياء من كان غير مؤمن ولا واصل إلى الجنة، وإن فسرنا الهداية بالنبوة لم يفد ذلك إلا أنه يفيد أن لا تكون المرأة رسولًا ولا نبيًا {واجتبيناهم} أي اصطفيناهم من جبيت الماء في الحوض وجبوته في جمعته، {ذلك هدى الله} إشارة إلى معرفة التوحيد والتنزيه بدليل قوله: {ولو أشركوا لحبط} وفيه دليل على أن الهداية من الله تعالى وليس للعبد فيها اختيار.